كيف يعلم الإمام بوقت ظهوره
فإن قيل: إذا علّقتم ظهور الإمام بزوال خوفه من أعدائه، وأمنه من جهتهم:
فكيف يعلم ذلك؟
وأيّ طريق له إليه؟
وما يضمره أعداؤه أو يظهرونه ـ وهم في الشرق والغرب والبّر والبحر ـ لا سبيل له إلى معرفته على التحديد والتفصيل!
قلنا: أمّا الإمامية فعندهم: أنّ آباء الإمام عليه وعليهم السلام
عهدوا إليه وأنذروه وأطلعوه على ما عرفوه من توقيف الرسول (صلّى الله عليه وآله)(127) على زمان الغَيْبة وكيفيّتها، وطولها وقصرها، وعلاماتها وأماراتها، ووقت الظهور، والدلائل على (تيسيره وتسهيله)(128).
وعلى هذا لا سؤال علينا؛ لأنّ زمان الظهور إذا كان منصوصاً على صفته، والوقت الذي يجب أن يكون فيه، فلا حاجة إلى العلم بالسرائر والضمائَر.
وغير ممتنع ـ مضافاً إلى ما ذكرناه ـ أن يكون هذا الباب موقوفاً على غلبة الظنّ وقوّة الأمارات وتظاهر الدلالات.
وإذا كان ظهور الإمام أنّما هو بأحد أُمور: إمّا بكثرة أعوانه وأنصاره، أوقوّتهم ونجدتهم، أو قلّة أعدائه، أو ضعفهم وجورهم؛ وهذا أُمور عليها أمارات يعرفها من نظر فيها وراعاها، وقربت مخالطته لها، فإذا أحسَّ الإمام عليه السلام بما ذكرناه ـ إمّا مجتمعاً أو متفرِّقاً ـ وغلب في ظنّه السلامة، وقويّ عنده بلوغ الغرض والظفر بالأرب، تعيّن عليه فرض الظهور، كما يتعيّن على أحدنا فرض الإقدام والإحجام عند الأمارات المؤمّنة والمخيفة.
هل يعتمد الإمام على الظنّ
في أسباب ظهوره
فإن قيل: إذا كان مَنْ غلب عنده ظنّ السلامة، يجوِّز خلافها، ولا يأمن أن يحقّق ظنّه، فكيف يعمل إمام الزمان ومهديّ الأُمّة على الظنّ في
الظهور ورفع التقيّة وهو مجوِّز أن يُقتل ويُمنع؟!
قلنا: أمّا غلبة الظنّ فتقوم مقام العلم في تصرّفنا وكثير من أحوالنا الدينية والدنياوية من غير علم بما تؤول إليه العواقب، غير إنّ الإمام خطبُه يخالف خطب غيره في هذا الباب، فلا بُدّ فيه مِن أن يكون قاطعاً على النصر والظفر.
الجواب على مسلك المخالفين
وإذا سلكنا في هذه المسألة الطريق الثاني من الطريقين اللذين ذكرناهما، كان لنا أن نقول: إنّ الله تعالى قد أعلم إمام الزمان ـ من جهة وسائط علمه، وهم آباؤه وجدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ أنّه متى غلب في ظنّه الظفر وظهرت له أمارات السلامة، فظهوره واجبٌ ولا خوف عليه من أحد، فيكون الظنّ ها هنا طريقاً إلى(129) العلم، وباباً إلى القطع.
وهذا كما يقوله أصحاب القياس إذا قال لهم نافوه في الشريعة ومبطلوه: كيف يجوز أن يُقْدِمَ ـ مَنْ يظنّ أنّ الفرع مشبه للأصل في الإباحة، ومشارك له في علّتهاـ على الفعل، وهو يجوِّز أن يكون الأمر بخلاف ظنّه؟ لأنّ الظنّ لا قطع معه، والتجويز ـ بخلاف ما تناوله ـ ثابتٌ، أوليس هذا موجباً أن يكون المكلّف مُقْدِماً على ما لا يأمن كونه قبيحاً؟! والإقدام على ما لا يؤمن قبحه كالإقدام على ما يعلم قبحه.
لأنّهم يقولون: تَعَبُّدُ الحكيمِ سبحانه بالقياس يمنع من هذا
التجويز؛ لأن الله تعالى إذا تَعَبَّدَ بالقياس فكأنّه عزّوجلّ قال: «مَنْ غلب على ظنّه بأمارات، فظهر له في فرع أنّه يشبه أصلاً محلّلاً فيعمل على ظنّه، فذلك فرضه والمشروع له» فقد أمن بهذا الدليل ومن هذه الجهة الإقدام على القبيح، وصار ظنّه ـ أنّ الفرع يشبه الأصل في الحكم المخصوص ـ طريقاً إلى العلم بحاله وصفته في حقّه وفيما يرجع إليه، وإنْ جاز أن يكون حكم غيره في هذه الحادثة بخلاف حكمه إذا خالفه في غلبة الظنّ.
ومَنْ هذه حجّته وعليها عمدته، كيف يشتبه عليه ما ذكرناه في غلبة الظنّ للإمام بالسلامة والظفر؟!
والأَوْلى بالمنصف أن ينظر لخصمه كما ينظر لنفسه ويقنع به من نفسه.
براءة طفولة